فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (70- 75):

{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)}
{أجاجاً} أَيْ: مِلحاً لا يمكن شربه.
{أفرأيتم النار التي تورون} تقدحون.
{أأنتم أنشأتم} خلقتم {شجرتها} التي تخرج منها.
{نحن جعلناها تذكرة} يتذكَّر بها نار جهنَّم {ومتاعاً} ومنفعةً {للمقوين} للمسافرين.
{فسبح باسم ربك العظيم} أَيْ: نَزِّه الله ممَّا يقول المشركون.
{فلا أقسم} لا زائدة {بمواقع النجوم} مساقطها ومغاربها. وقيل: أراد نجوم القرآن.

.تفسير الآيات (77- 78):

{إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)}
{إنه لقرآن كريم} حسنٌ عزيزٌ.
{في كتاب مكنون} مصونٍ عند الله.

.تفسير الآيات (79- 89):

{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)}
{لا يمسه} باليد، أَيْ: المصحف {إلاَّ المطهرون} من الجنابات والأحداث.
{تنزيل من رب العالمين}.
{أفبهذا الحديث} أَيْ: القرآن {أنتم مدهنون} مُكِّذبون.
{وتجعلون رزقكم} شكر زرقكم، فحذف الشُّكر {أنكم تكذبون} بسقيا الله إذا مُطرتم، وتقولون: مطرنا بنوء كذا.
{فلولا} فهلاَّ {إذا بلغت} الرُّوح {الحلقوم}.
{وأنتم} يا أصحاب الميت {حينئذٍ تنظرون} إليه وهو في النَّزع.
{ونحن أقرب إليه منكم} بالعلم والقدرة {ولكن لا تبصرون} لا تعلمون ذلك.
{فلولا إن كنتم غير مَدِينين} مملوكين ومجزيين.
{ترجعونها} أَيْ: تردُّون الرُّوح إلى الميِّت {إن كنتم صادقين} أنَّكم غير مملوكين وغير مُدْبِرين. وقوله: {ترجعونها} جوابٌ واحدٌ لشيئين، وقوله: {فلولا إذا بلغت الحلقوم} وقوله: {فلولا إن كنتم} ثمَّ ذكر مآل الخلق بعد الموت فقال: {فأمَّا إن كان المقربين}. {فروح} فلهم روحٌ، أَيْ: استراحةٌ وبردٌ {وريحان} ورزقٌ حسنٌ.
{وأمَّا إن كان من أصحاب اليمين}. {فسلام لك من أصحاب اليمين} أَيْ: إنَّك ترى فيهم ما تحبُّ من السَّلامة وقد علمت ما أعدَّ لهم من الجزاء، لأنَّه قد بُيِّن لك في قوله: {في سدر مخضود...} الآيات.

.تفسير الآيات (92- 96):

{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}
{وإمَّا إن كان من المكذبين الضالين} وهم أصحاب المشأمة.
{فنزل من حميم} فلهم نزلٌ أعدَّ لهم من شراب جهنَّم.
{وتصلية جحيم} إدخال النَّار.
{إنَّ هذا} الذي ذكرت {لهو حق اليقين}.
{فسبح باسم ربك العظيم} أَيْ: نزِّه الله من السُّوء.

.سورة الحديد:

.تفسير الآية رقم (1):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)}
{سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} ذُكر تفسيرها في قوله: {وإنْ مِنْ شيءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بحمده.}

.تفسير الآيات (3- 4):

{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)}
{هو الأوَّل} قبل كلِّ شيءٍ، فكلُّ شيءٍ دونه {والباطن} العالم بكلِّ شيءٍ.
{يعلم ما يلج في الأرض} ما يدخل فيها من مطرٍِ وغيره {وما يخرج منها} من نباتٍ وشجرٍ {وما ينزل من السماء} من رزقٍ ومطرٍ، ومَلكٍ وأمرٍ {وما يعرج فيها} يصعد إليها من عملٍ {وهو معكم} بالعلم والقدرة {أينما كنتم}.

.تفسير الآيات (7- 8):

{آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)}
{آمنوا بالله ورسوله} صدِّقوا بأنَّ الله تعالى واحدٌ، وأنَّ محمداً رسول الله {وأنفقوا} من المال الذي {جعلكم مستخلفين فيه} أَيْ: كان لغيركم فملكتموه. وقوله: {وقد أخذ ميثاقكم} أَيْ: حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السَّلام بأنَّ الله ربُّكم لا إله لكم سواه {إن كنتم مؤمنين} أي: إِن كنتم على أن تؤمنوا يوماً من الأيام.

.تفسير الآيات (10- 15):

{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)}
{وما لكم أنْ لا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض} أَيْ: أَيُّ شيءٍ لكم في ترك الإِنفاق في طاعة الله وأنتم ميِّتون تاركون أموالكم، ثمَّ بيَّن فضل السَّابقين في الإنفاق والجهاد، فقال: {لا يستوي منكم مَنْ أنفق من قبل الفتح} يعني: فتح مكَّة {وقاتل} جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداء الله. {أولئك أعظم درجة} يعني: عند الله {من الذين أنفقوا من بعد} الفتح {وقاتلوا وكلاً} من الفريقين {وعد الله الحسنى} الجنَّة.
{من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} ذُكر تفسيره في سورة البقرة.
{يوم ترى المؤمنين والمؤمنات} وهو يوم القيامة {يسعى نورهم} على الصِّراط {بين أيديهم وبأيمانهم} وتقول لهم الملائكة: {بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم}.
{يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظروا نقتبس من نوركم} انتظرونا وقفوا لنا نستضئ بنوركم {قيل} لهم {ارجعوا وراءكم} من حيث جئتم {فالتمسوا نوراً} فلا نور لكم عندنا {فضرب بينهم} بين المؤمنين والمنافقين. {بسور} وهو حاجزٌ بين الجنَّة والنَّار. قيل: هو سور الأعراف {له باب} في ذلك السُّور بابٌ {باطنه فيه الرحمة} لأنَّ ذلك الباب يُفضي إلى الجنَّة {وظاهره من قبله} أَيْ: من قبل ذلك الظَّاهر {العذاب} وهو النَّار.
{ينادونهم} ينادي المنافقون المؤمنين: {ألم نكن معكم} في الدُّنيا نناكحكم ونوارثكم {قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم} آثمتموها بالنِّفاق {وتربصتم} بمحمدَّ عليه السَّلام الموت {وارتبتم} شككتم في الإيمان {وغرَّتكم الأمانيّ} ما كنتم تمنَّون من نزول الدَّوابر بالمؤمنين {حتى جاء أمر لله} الموت {وغرَّكم بالله} أَيْ: بحلمه وإمهاله {الغرور} الشَّيطان.
{فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} بدلٌ {ولا من الذين كفروا} وهم المشركون {مأواكم النار} منزلكم النَّار {هي مولاكم} أولى بكم {وبئس المصير} هي.

.تفسير الآيات (16- 25):

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)}
{ألم يأن للذين آمنوا} ألم يحن {أن تخشع قلوبهم} ترقَّ وتلين {لذكر الله وما نزل من الحق} وهو القرآن، وهذا حثٌّ من الله تعالى لقومٍ من المؤمنين على الرِّقة والخشوع {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل} أي: اليهود والنَّصارى {فطال عليهم الأمد} الزَّمان بينهم وبين أنبيائهم {فقست قلوبهم} لم تَلِنْ لذكر الله، ونسوا ما عهد الله سبحانه إليهم في كتابهم {وكثير منهم فاسقون} وهم الذين تركوا الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
{اعلموا أنَّ الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات} أَيْ: إنَّ إحياء الأرض بعد موتها دليلٌ على توحيد الله تعالى وقدرته.
{إنَّ المصدِّقين والمصدقات} الذين يتصدَّقون وينفقون في سبيل الله {وأقرضوا الله قرضاً حسناً} بالنَّفقة في سبيله {يضاعف لهم} ما عملوا {ولهم أجرٌ كريم} وهو الجنَّة.
{والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون} المُبالغون في الصِّدق {والشهداء عند ربهم} أَي: الأنبياء عليهم السَّلام {لهم أجرهم ونورهم} في ظلمة القبر. وقيل: هم جميع المؤمنين.
{اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو} في انقضائها وقلَّة حاصلها {وزينة} يتزيَّنون بها {وتفاخرٌ بينكم} يفخر بها بعضكم على بعض {وتكاثر في الأموال والأولاد} مباهاةٌ بكثرتها، ثمَّ ضرب لها مثلاً فقال: {كمثل غيث} مطرٍ {أعجب الكفار} أي: الزُّراع {نباتُه} ما أنبته ذلك الغيث، {ثم يهيج} ييبس {فتراه مصفراً} بعد يبسه {ثمَّ يكون حطاماً} هشيماً مُتفتِّتاًَ، وكذلك الإِنسان يهرم ثمَّ يموت ويبلى {وفي الآخرة عذاب شديد} للكفَّار {ومغفرة من الله ورضوان} لأوليائه.
{سابقوا إلى مغفرة من ربكم} ذُكر في سورة آل عمران عند قوله: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم...} الآية.
{ما أصاب من مصيبة في الأرض} بالجدبِ {ولا في أنفسكم} بالمرض والموت والخسران {إلاَّ في كتاب} أي: اللَّوح المحفوظ {من قبل أن نبرأها} نخلق تلك المصيبة {إنَّ ذلك على الله يسير} أَيْ: خلقها في وقتها بعد أَنْ كتبها في اللَّوح المحفوظ.
{لكيلا تأسوا على ما فاتكم} من الدُّنيا {ولا تفرحوا بما آتاكم} أعطاكم منها، أَيْ: لكيلا تحزنوا حزناً يُطغيكم، ولا تبطروا بالفرح بعد أَنْ علمتم أنَّ ما يصيبكم من خيرٍ وشرٍّ فمكتوب لا يخطئكم. {والله لا يحب كلَّ مختال} مُتكبِّرٍ بما أُوتي من الدُّنيا {فخور} به على النَّاس.
{الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} ذُكر في سورة النِّساء.
{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} بالدّلالات الواضحات {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} العدل {ليقوم الناس بالقسط} ليتعامل النَّاس بينهم بالعدل {وأنزلنا الحديد} وذلك أنَّ آدم عليه السَّلام نزل إلى الأرض بالعلاة والمطرقة وآلة الحدَّادين {فيه بأس شديد} قوَّةٌ وشدَّةٌ يُمتنع بها ويُحارب {ومنافع للناس} يستعملونه في أدواتهم {وليعلم الله} أَيْ: أرسلنا الرُّسل ومعهم هذه الأشياء ليتعامل النَّاس بالحقِّ، وليرى الله مَنْ ينصر دينه {ورسله بالغيب} في الدُّنيا.

.تفسير الآيات (27- 29):

{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
{ورهبانية ابتدعوها} أَي: ابتدعوا من قبل أنفسهم رهبانيَّةً، أَي: التَّرهُّب في الصَّوامع {ما كتبناها عليهم} ما أمرناهم بها {إلاَّ ابتغاء رضوان الله} لكنَّهم ابتغوا بتلك الرَّهبانيَّة رضوان الله {فما رعوها حق رعايتها} أَيْ: قصَّروا في تلك الرَّهبانيَّة حين لم يؤمنوا بمحمد عليه السَّلام، {فآتينا الذين آمنوا منهم} بمحمَّدٍ عليه السَّلام {أجرهم وكثير منهم فاسقون} وهم الذين لم يؤمنوا به.
{يا أيها الذين آمنوا} بالتَّوراة والإنجيل {اتقوا الله وآمنوا برسوله} محمد عليه السَّلام {يؤتكم كفلين} نصيبين {من رحمته} نصيباً بإيمانكم الأوَّل، ونصيباً بإيمانكم بمحمَّد عليه السَّلام وكتابه {ويجعل لكم نوراً تمشون به} في الآخرة على الصِّراط {ويغفر لكم} وعدهم الله هذه الأشياء كلَّها على الإِيمان بمحمد عليه السَّلام، ثمَّ قال: {لئلا يعلم} أي: ليعلم، ولا زائدة {أهل الكتاب} اليهود والنَّصارى {ألا يقدرون على شيء} أنَّهم لا يقدرون على شيءٍ {من فضل الله} يعني: إِنْ لم يؤمنوا لم يُؤتهم الله شيئاً ممَّا ذُكر {وأنَّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}